boujdourtec

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع الرسمي لمدينة التحدي


    المعطف//روآيــــــــــات الخيــال العلـــمي

    ai_001
    ai_001
    نا ئب المدـــــــــير
    نا ئب المدـــــــــير


    عدد المساهمات : 260
    نقاط : 739
    الأوســــمة : 0
    تاريخ التسجيل : 25/07/2009
    العمر : 33
    الموقع : boujdour

    المعطف//روآيــــــــــات الخيــال العلـــمي Empty المعطف//روآيــــــــــات الخيــال العلـــمي

    مُساهمة  ai_001 الأحد أغسطس 30, 2009 3:09 am

    على وقع أنغام الفالس الهادئة، وفي جو الصالة المشحون بالفرح والألق والضياء الساطع، الذي غمر الأشياء بفيض من السعادة والانبهار، تحركت الأجسام، بخطوات قصيرة متقنة وأنيقة، تتقدم تارة، وتتراجع أخرى، انتشرت أنغام الرقصة الجميلة المحببة إلى نفسها كالسحر في أجواء المكان، ثمة أصوات لضحكات خافتة، وهمس هنا وهناك، جو الصالة المملوءة بروائح العطور المختلطة بعرق النساء الأنيقات، ورجال يتحولون إلى لعب تلهو بها الرغبات، ولمعان العيون الذي يشي بحب الحياة ترتفع حرارة الجو داخل الصالة، وكذلك العواطف، يغيب وجه الليل، ويتوسد الضوء أعماق العيون ومنابتها، بحس بالسعادة، لكن العقل بعيد عنها، غادر نحو شواطئه النائية، كعادته دائماً تحاصره رغبة مجنونة في البكاء، ثمة صوت ينبهه، يهمس في أذنه:‏

    ـ هذه الرقصة أحبها، واخترتها كيما تشاركني سعادتي.‏

    همس وهو يبتسم:‏

    ـ نهى، لقد كبرت على مثل هذه الأشياء إنك تضعينني في مواقف لا قبل لي بها.‏

    غرزت عينيها في وجهه، وفرحها يملأ المكان، قائلة بصوتها المنغم المسحور:‏

    ـ من قال إنك كبرت، الذي يملك مثل هاتين العينين الحالمتين، ومثل هذا الوجه الساهم الوسيم، لا يكبر أبداً.!‏

    ـ ترينني دائماً بعين الرضا.‏

    ـ هي عين الحب!‏

    ـ لا تبالغي.‏

    ـ منذ اليوم الأول الذي التقيتك فيه، وحتى حصولي على الماجستير بفضلك، قلت أحدث نفسي، مثل هذا الرجل المسكون بالحزن الشفيف، والصمت المسحور الموحي بالغموض، هذا الرجل سيكون هو هدفي، ونصيبي سيكون حلمي وجنتي التي أقطف منها أزهار سعادتي، اسمعني يا عزيزي، هذه الدنيا لنا، ولن أدع أيامها تأخذ منا أكثر مما تعطينا، وها أنا أمامك، مازلت مصرة على تحقيق حلمي العتيد.‏

    ـ ما يهمني الآن، هو أن تكملي دراستك للدكتوراه.‏

    ـ ستكون مشرفي أيضاً، كما في الماجستير.‏

    ـ لا أعتقد!‏

    غطت وجهها الفاتن، سحابة حزن، ما لبثت أن تخلصت منها بسرعة، تساءلت، وشيء من الوجوم يرتسم على صفحة وجهها المشرق.‏

    ـ لماذا يا أستاذي الظالم!‏

    رد بهدوئه المعهود:‏

    ـ لأني أزمع السفر، لدي عروض من بعض الجامعات، احب التغيير بطبيعتي التي لا تريد أن تهدأ في مكان.‏

    ـ سنكون معاً!‏

    سادت فترة صمت بينهما، أنغام الرقصة مستمرة، بدأت خطواته تتباطأ، حدق في الساعة الجدارية الضخمة، هس:‏

    ـ الوقت يسرقنا، وعلي أن أعود إلى...‏

    قاطعته:‏

    ـ ستكون معي حتى نهاية الحفل.‏

    ضغط أصابعها بين يديه، خاطبها:‏

    ـ دعينا نعد إلى مجلسنا، وسيكمل الآخرون الرقصة.‏

    فاجأه صوت والدتها:‏

    ـ دكتور خالد، لماذا لم تستمر؟‏

    رد مبتسماً:‏

    ـ لقد تعبت، كبرنا يا سيدتي.‏

    أشار إليه والد نهى، أن يجلس بجانبه، اعتذر، وجلس في مكان قرب الشباك المطل على حديقة البيت، نفث دخان غليونه، وعيناه تسبحان في تكوينات الصالة الكبيرة، وأثاثها الفخم المتناسق في توزيع يدل على أصالة في الذوق، ورفعة الاختيار. ما الذي تريده أيها الرجل المسكون بخيال لم يعد له وجود وذكريات، مازالت تنوء تحت نير ثقلها؟ هذه فرصة أخرى تلوح عن قرب، يقدمها لك القدر على طبق من ذهب، لن تولد ثانية، ولن تكون أكثر مما أنت عليه، إلى متى تبقى تقود هذه النفس نحو المقبرة، لتدفن بقايا العمر قبل أوانه، كم يعذبك السفر في دروب ذكرياتك، وحقول مشاعرك الممتدة بين سني العمر، وهاهي الكهولة، تحيطك عتمتها، ومازلت في مكانك الذي لا تريد أن تبارحه.‏

    فاجأته وعيناها تشعان سحراً، وتحتدم في أغوارهما أحاسيس لم ير مثيلاً لها من قبل، بصوت حاسم خاطبته:‏

    ـ أما زلت تحبها؟‏

    لم يجبها، استمر في نفث دخان غليونه، اعتدل قليلاً في جلسته، بعد أن جلست إلى جانبه، ارتفع صوته الهامس الرصين:‏

    ـ بعض الناس يدخلون التجربة مرة واحدة فقط، وآخرون يدخلون التجربة، ثم يخرجون منها، ليستعدوا ثانية لجولة أو جولات جديدة، وعندما تمضي الأمور في نصابها، وتنتهي إلى نجاح، يقولون عن هذا الإنسان، أو ذاك إنه محظوظ، أنا أعتقد أن إعادة التجربة، نوع من أنواع التسول أو الاستجداء، أو الضعف، لا أحبه، وتذكري أيتها العزيزة، أن ما بيني وبينك، فوارق من الصعوبة تجاوزها، هناك فارق العمر، وهو أكثر من عشرين سنة، ثم هناك الفارق الرهيب، الدين...‏

    قاطعته بحسم:‏

    ـ كل هذا أعرفه، سنخرج معاً، ونبني حياتنا في عالم لا يعير لهذه الأشياء أي اهتمام. المهم أنا وأنت قل بربك، ألست أكثر واقعية منك؟‏

    ـ نهى عبد الأحد، كوني واثقة، لو خيرت، لما اخترت غيرك! لن أجد أحلى من هاتين العينين، ولا أجمل من هذا الشباب، ودعيني أستأذن والديك والمدعوين، وأمضي، فالجو ينذر بليلة غاضبة، وأنا لا أحب أن أقود سيارتي في مثل هذه الأجواء. تذكري أننا سنلتقي ثانية، وثالثة...‏

    مضى برفقة الجميع نحو باب البيت الخارجي، بدأ المطر يهمي رذاذاً خفيفاً، دلف إلى سيارته بسرعة، أدار محركها، وانسحب من بين السيارات الواقفة على جانبي سيارته، في الساحة المقابلة للبيت، أخرج يده ملوحاً، مودعاً، مضى مسرعاً، همس بعد أن اشتد هياج الجو، وبدأت سيول المطر تتدفق كالشلال:‏

    ـ وا أسفاه، لقد تأخرت كثيراً، هاهي الدنيا تمتلئ بالليل والوحشة، والمطر!‏

    الماسحتان على سرعتهما، لا قبل لهما بمثل هذه السيول، مصابيح الشوارع، تلاشت أضواؤها في تضاعيف الجو المربد، خفف السرعة، وبدأ السير بمحاذاة الرصيف، تساءل في سره:‏

    ((من لي بمن يخلصني من ترددي، ويبعد عني هذا الخوف الذي استوطن عقلي كالمرض الذي لا سيبل للشفاء منه، لماذا يبقى أفق روحي متشحاً بالسواد والهزيمة؟ لكم حاولت أن أفتح كوة في جدار ذلك الصندوق المظلم كي تخترقه أشعة الأمل والحياة، لتنير جانباً منه، أو كله، ما هذا، يا لخيالها الظالم، إنه معي، لا يفارقني، يجلدني دون رحمة، يستبد بي، يستعبدني، ترى متى أستمع إلى صوت الحياة يتدفق عذباً رخيماً في الأعماق، متى؟‏

    مهلاً يا رجل من هذا الواقف على رصيف الشارع في مثل هذا الوقت المتأخر، وتحت هذه السيول المتدفقة من محيطات السماء))!‏

    انحرف جانباً، خفف سرعة سيارته، أوقفها، كما لو أنها شبح، فتحت باب السيارة وجلست إلى جانبه، بتلقائية غريبة:‏

    ـ مساء الخير.‏

    قالتها بعذوبة، إلا أنه رد عليها مبتسماً:‏

    ـ صباح الخير.‏

    ناولها منديله، بدأت تجفف شعرها الأسود الطويل الذي تهدل فوق كتفيها، مسحت قطرات الماء التي علقت بأديم وجهها، تشمم رائحة عطر امتزجت برائحة الأنثى، سألها بصوت أربكته المفاجأة:‏

    ـ إلى أين؟‏

    ـ الحي العربي من فضلك!‏

    صمت وقد أفزعه طول المسافة:‏

    كما لو أنها أحست بتردده، التفتت إليه وقد شع الوجه المدور بوهج دافق أذهله:‏

    ـ سأعطيك الأجرة التي تريد!‏

    ابتسم بحنان وقال بصوت هامس:‏

    ـ لست سائق تاكسي يا عزيزتي.‏

    ردت وهي تطوق وجهها براحتيها:‏

    ـ إذا كنت غير راغب، سأنزل، وأنتظر سيارة أخرى.‏

    ـ في مثل هذا الجو، سوف لن تجدي سيارة أخرى لاحظي، ربما أكون صاحب السيارة الوحيدة التي تسير في هذا الجو المفزع، والوقت المتأخر.‏

    ـ لم أجد أحداً يوصلني إلى هدفي، ماذا أفعل؟‏

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 8:26 pm