boujdourtec

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الموقع الرسمي لمدينة التحدي


    الماء..والأسماء -روآيــــــــــات الخيــال العلـــمي

    ai_001
    ai_001
    نا ئب المدـــــــــير
    نا ئب المدـــــــــير


    عدد المساهمات : 260
    نقاط : 739
    الأوســــمة : 0
    تاريخ التسجيل : 25/07/2009
    العمر : 34
    الموقع : boujdour

    الماء..والأسماء -روآيــــــــــات الخيــال العلـــمي Empty الماء..والأسماء -روآيــــــــــات الخيــال العلـــمي

    مُساهمة  ai_001 الأحد أغسطس 30, 2009 3:10 am

    لأم

    أنا‏

    إني‏

    إنني..‏

    إنني أرغب في تعليق كل شيء، كل شيء، حتى ولو ترنحت الجدران من وطأة المسامير والثياب والذكريات المعلّقة. وعندما تمر العصافير.. أرغب أن أسير حافياً حتى نهاية الممر الطويل.. الممر الموصل بين غرفتي وغرفة العميد... فالسير حافياً يشعرني بالأرض وبأنها ما تزال موجودة.‏

    أما السيكارة التي أسحبها بأصبعين مدربتين من جيب القميص لأشعلها، هذه السيكارة تشعرني بالأمن، وبأنني موجود قُرب صوت زوجتي الشقراء الأجنبية المتفرغة الآن وغداً وإلى أبد الآبدين، لتنظيم الحديقة، وتخريب عقلي.‏

    لقد اضطررت مرات كثيرة لإحراق مراكبي وإعلان الحرب ضدها، بسبب استنكارها الشديد لتمسكي بعادة التدخين في غرفة الجلوس المغلقة، واستطعت أن أكسب الحرب، وأضمن لنفسي حرية مطلقة في التدخين في جميع الغرف بما فيها السقيفة. لقد كان انتصاري في هذه المواجهة كاسحاً، إلى درجة أن المسكينة اضطرت (من أجل أن تبتلع الإهانة إلى تتعلم التدخين وقد تقصدت ونكاية بي أن تختار دخانها من أشد الأنواع المحلية غلظة وكثافة، وأن تقعد قبالتي، قبالتي تماماً لتنفث دخانها في وجهي دون النظر إلى مكانتي العلمية، والدور الذي نذرت نفسي لألعبه في الحياة السياسية العامة. كثيرون انتبهوا إليّ وأنا أدخن، وصارحوني بحقيقة لم يلحظوها مع غيري، وهي أنني عندما أسحب من اللفافة نفساً، أخرج كميات من الدخان أكثر بكثير من التي سحبتها من السيكارة، وقد همس لي صديق متفقه في شؤون الدخان ومعتقداته بأن هذا دليل على وجود حريق، وأين تساءلت ضاحكاً؟ قال داخلك: عند ذلك بدأت أنتبه إلى الدخان، وأهز رأسي كما يفعل الفلاسفة، لأقول، إن أخطر الحرائق تلك التي لا نلمح دخانها، وقد أردت بذلك أن أقدم لنفسي العزاء رغم اعتقادي بأن حرائقي التي يظهر دخانها بكثافة عالية. حرائق رديئة. وتبعث على السعال والهذيان.‏

    هذه الرغبات والأسئلة انتابتني جميعاً وأنا أقرأ الرسالة، لقد اضطرت زوجتي وبسبب من إصابتها ببوادر ذبحة صدرية إلى الذهاب إلى بلادها لتلقي العلاج. وبعد مدة من سفرها شعرتُ بضرورة أن تكون قرب واحد هشٍ مثلي امرأة صلبة مثلها، وها هي ترسل إليّ صرختها من وراء الثلوج، وقد كتبت صرختها بالعربية، رغم أن بقية الرسالة كانت بلغة زوجتي الأم.‏

    كتبت بين قوسين:‏

    يا عواد. يا زوجي، تعال إليّ.‏

    وقد بررت صرختها تلك بلغتها فقالت في الرسالة: إنها تشعر بوحدة مميتة وأن وحدتها ستقتلها، ربما قبل أن تفعل الذبحة الصدرية، ثم تابعت، لقد اعتدت على الحياة الرديئة معك. لذلك تريدني أن أكون معها لنعود معاً في أقرب فرصة، وقد طلبت مني أن أصطحب معي ثلاثةٍ كروزات من الدخان الذي اعتادت عليه حتى تنفخها جميعاً في وجهي لأنها تشعر بحنين قوي إليّ.‏

    ثم سألتني عن أخبار ابنتنا علياء، وهل أنجبت طفلها ولست أدري ما هي الدوافع التي شدت رأسي إلى النافذة لأمسح حديقة بيتنا بنظرات متفحصة لأتذكر حركة ثوبها وقدميها واستدارة مؤخرتها وهي تنحني على الأحواض لتقوم بأشياء لا أفهمها. ولكنها تملأ الحديقة بالخضرة والحياة.‏

    -أنت في الخمسين يا شامل(1)‏

    -وأنتِ في الخمسين يا كاتيا.‏

    -هل يمكن أن تكون الحياة سخيفة وغالية.‏

    -يمكن ما دامت أغلى المتعات أقصد القهوة والسجائر، غير مستحيلة. ثم ينفث كل واحد منا دخانه في وجه صاحبه بود، ونحن نشعر أن أحداً منا يكاد أن يحقق أهدافه في النيل من صاحبه.‏

    -عندما ستموت يا شامل سأحزن عليك كثيراً، وعندما لا تموت، سأحزن أكثر، ثم ترفع طرف ثوبها لتريني تجاعيد ساقيها.‏

    -منذ خمس سنوات لم تضع يدك علي.‏

    كانت كاتيا تكره أصدقائي، نكاية بي، وكنت أدعوهم إلى بيتي نكاية بها. أول الأمر، تفتح الباب فأدخل ويدخل الأصدقاء، فتنظر إلى وجهي دون أن ترد على تحيتي، وتنظر في وجوه أصدقائي ولا ترد على تحياتهم، ثم تخبط الباب باهتمام زائد خلف آخرهم فترج البناية من شدة الحفاوة والترحيب، ثم تذهب إلى المطبخ لتحضّر القهوة، كانت امرأة منظمة بطريقة مدمرة.‏

    تعد القهوة وتدخل حاملة الصينية ثم تنظر في وجوه الأصدقاء، وتضع الصينية على الطاولة وسط الغرفة وتعود، وكنت أتابع المهمة وأوزع الفناجين، بابتسامات مضاعفة لأعوّض على الأصدقاء النقص الفادح الذي يحسون به، بعد ذلك، تقوم زوجتي بتحضير الصحون، والكؤوس والمقبلات لتبدأ السهرة، وكان جيراننا في الطابق الأعلى يعرفون عدد الصحون التي تضعها زوجتي على الطاولة لأنها تحاول أن يصدر عن كل صحن خبطة كأنما على الطاولة راقص فلامنكو، لذلك يزداد انشراح أصدقائي بفضل آذانهم الموسيقية الحساسة ويحاولون مع الإبتسامات المرافقة أن لا يكون وقت السهرة طويلا، وأحاول أن يمتد ويطول حتى تنام زوجتي، خلال ذلك كانت كاتيا وخلال كل نصف ساعة تطل علينا لتسألنا بلهجة غاضبة هل تريدون شيئاً. وكنت أعرف قصدها، كانت تريد منا أن نطلب صحوناً إضافية لتخبطها على الطاولة غير أنني وبقية الأصدقاء لم نكن نمكنها من تحقيق هذه الرغبة.‏

    وعندما يهرول الأصدقاء مودعين، كانت تقترب مني وتمسح بكفها على ذراعي وتقول في شبه اعتذار، المسلسلات المعروضة في التلفزيون غير جيدة ولا أحب أن أتفرج عليها وحدي، عندها تشعر زوجتي وأنا بأننا من ضحايا المسلسلات المحلية، لذلك يغمرنا شعور عميق بالتضامن فنجلس متقابلين ويخرج كل منا علبة سجائره ويبدأ بالتدخين، والنفخ كل في وجه صاحبه حتى تلفّنا غيمة من السعال ويتطاير الرذاذ الحنون من كلينا، فنبعد علب الدخان، ويحمل كل منا منفضته ويذهب إلى المطبخ ليفرغها ويعود بعد أن يحس بأنه أزاح عن قلبه هماً مقيماً.‏

    شيء آخر يدفعنا للتوقف عن التدخين، أنه صوت سعال ابنتنا علياء، في الغرفة الشمالية المطلة على الحديقة، فرغم ذهاب كاتيا والتأكد من إغلاق الباب للبدء باحتفال التدخين الأولمبي المشترك، رغم ذلك، كان الدخان العنيد يتسرب من أضيق الفتحات ليصل إلى رئتيها فتسعل وهي نائمة، فيدفعنا سعالها للخروج إلى الحديقة ومتابعة التدخين بضمائر مرتاحة، هذا طبعاً في حال أننا لم نأخذ نصيباً وافياً من التدخين وظلت منافض السجائر مملوءة بالعقوب حتى وسطها، في كثير من المرات وفي ليالي الشتاء البارده كنا نسمع صوت سعال ابنتنا (علياء بالعربية، وفالنتينا بالروسية) فنخرج إلى الحديقة بعد أن نغطي رأسينا أنا وكاتيا ببطانية ونبدأ التدخين وجهاً لوجه، وكان الدخان المشترك هو الشيء الوحيد الذي يقرب بيننا، وكانت زوجتي تحاول أن تستنشق أقصى ما تستطيعه من الدخان الذي أنفثه في وجهها في حالة من الوجد والتلذذ كأنما تحاول أن تتصل بي عن طريق دخاني، وعندما كنت ألمح الرطوبة على أطراف عينيها، أتشاغل بالسعال، أو بإشعال لفافة جديدة ثم أهرس عقب السيكارة القديمة على الأرض، وأنحني لالتقط العقب من الأرض لأضعه في كفي حتى لا تنتبه الحديقة إليّ.‏

    عندما كنت أنحني لأحمل عقب اللفافة كانت كاتيا تنحني لأن طرف البطانية الآخر يجرها معي إلى الأرض، فيقترب وجهها من وجهي فتبرق في رأسينا ذكريات الأيام القليلة التي حاولنا أن نتبادل فيها القبلات.‏

    عشرون عاماً عمر ابنتنا (علياء بالعربية، وفالنتينا بالروسية). عندما ولدت ابنتنا علياء في موسكو، وكنت في سنوات الاختصاص الأخيرة، كانت رائدة الفضاء السوفيتية فالنتينا تيرشكوفا حديث الناس في العالم أجمع، ها هي امرأة تغزو الفضاء، وقد استطاع الغزو أن يمتد بآثاره إلى بيتنا، لذلك أحبت زوجتي أن تتم فرائض الغزو وتطلق على ابنتنا اسم (فالنتينا) وهو اسم لا أنكر جماله وجاذبيته.‏

    المهم أن ابنتنا دخلت حياتنا فجأة كأنما هي كائن من الفضاء الخارجي، ولتعزيز هذه الحالة أسميناها فالنتينا، غير أن الاسم الذي سجل في سجلات السفارة السورية في موسكو غير ذلك، فعندما ذهبنا بالصغيرة إلى السفارة أنا وكاتيا زوجتي. إنفردت بموظف السفارة المسؤول وكان من معارفي وقلت له بالعربية عندما تسألني عن اسم المولودة سأقول لك أمام زوجتي (فالنتينا) وعليك أن تقوم بدورك الوطني اللازم وتسجلها (علياء).‏

    وهكذا تم، وصار لابنتنا اسمان فالنتينا بالروسية. وعلياء بالعربية، وقد فعلت ذلك دون أن أحسب حساباً (لوطأة حرف العين وصعوبته، وعدم قدرة زوجتي ولا أية زوجة أجنبية أخرى على لفظه صحيحاً صريحاً كما نفعل في بلادنا وقد تقصدت أن أطلق على ابنتنا اسم علياء مخلصاً في ذلك لمعاني العلو والارتفاع القريبة كثيراً من غزو الفضاء الذي قامت به فالنتينا الأصل، وقد قلّص ذلك من إحساسي بالذنب تجاه زوجتي. لقد اعتبرت كاتيا وهذا من حقها، أن انجابها لابنتنا أكثر أهمية من الفضاء كله، ذلك الفضاء الذي قامت بلادها العزيزة بغزوه

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 5:29 pm